عليٌّ كان ملحداً

عليٌّ كان ملحدًا

هو شابٌّ في مقتبل عمره، جازفت أسرته بمصيره، تركته أربعة عشر عاماً، يكابد صعوبة الغربة، حين كان طفلًا في الرابعة سافر مع بعض أقاربه إلى إيطاليا، حتى إذا صار فتىً يافعًا التفَّ حوله رفقاء سوء يغرونه بالشهوات، ويلقون في قلبه بذور الشبهات، حتى إذا شبَّ جرّعوه فكرًا شيوعيًّا إلحاديًّا، حتى غدا شابًّا متضلِّعًا بهذا الفكر، بل داعياً إليه !!

نعم، في الثامنة عشرة داعية إلى الإلحاد يعلِّم أقرانه مبادئه ويحثّهم على اعتناقه !!

عاد عليٌّ أدراجه إلى بلده، لبنان، مضطرب السلوك، كئيب النفس، ويقدِّر الله تعالى أن يلتقيَ بشابٍّ صالحٍ اسمه محمَّد؛ التقيا في مكتب مختص في استقدام عاملات للمنازل، دخل عليٌّ ذلك المكتب وهو يسأل عن عنوان منزل يقصده، تعارف الشَّابَّان، وتوسّم محمَّد في عليٍّ خيرًا، تجاذبا أطراف الحديث، ليتبين لمحمَّد أن عليًّا كان معتنقاً فكر إلحادٍ، لم يزجره ولم يعنِّف عليه، بل حاوره بلطف، وعرض عليه مرافقته إلى مقرِّ "المنتدى للتعريف بالإسلام".

استجاب عليٌّ ولم يدر حينها أن استجابته تلك ستغيّر مجرى حياته بالكامل.

ما هي إلاّ جلستان كانتا - بفضل الله- كفيلتين بتخليص عليٍّ من رجس الإلحاد، ليعودَ كما كان على فطرته، فخرج بعدهما معلنًا إسلامه بقوة، يدعو إليه، كما كان متمسِّكًا بإلحاده، يدعو إليه.

إنّ أربعة عشر عامًا من زجِّ فكر الإلحاد، واستمالة القلب إليه، لم تصمد سوى سويعات قليلة.

نعم، لقد فتح عليٌّ قلبه، وسالت عبرته ندمًا على ما فات ، وفرحًا بما هو آت، وعلا صوته بالشهادتين، شهادتان نطق بهما الروح والقلب قبل اللسان.

قد يكون أمرًا يسيرًا معاناة الأبناء مع أهلهم ضيق العيش وقلّة الموارد، حتى إذا صبروا أتاهم يسران بعد عسر، لكن ليس أمرًا هيِّنًا –ألبتة- أن يستسهل الأهل مخاطرة إبعاد ابنائهم عنهم؛ ليعانوا كآبة مزمنة، واضطراب سلوك، وانحراف فكر.

لقد لازمت صورة أمِّ عليٍّ محفظته الخاصة أربعة عشر عامًا، يبكي شوقًا إليها، حتى إذا عاد إليها -ملحداً- رضيت بطرده من منزله، صدمة لم تكد تحتملها، خافت على وليدها من سوء ما رضي به لنفسه، واحتارت كيف تثنيه عنه، حتى إذا فتح الله قلبه للإسلام حنَتْ عليه وأيّدته، فبات يعيش في كنف أهله، ويدعو إلى صراط ربِّه.