EN | AR
تابعنا
التقويم
القائمة البريدية
انضموا إلى مجموعتنا البريدية لتحصلوا على آخر أخبارنا

الأم في الإسلام

مقالة رائعة للشيخ علي الطنطاوي عن الاحتفال بعيد الأم؟

سُئل الفقيه والعلّامة الأديب الدمشقي الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله عن حكم 

الجواب يتضمن مسائل ثلاثاً: حق الأم، وتكريمها، ثم تخصيص يوم في السنة 

الاحتفال بعيد الأم، فقال:

لهذا التكريم وهو جعل يوم 21 آذار عيد الأم:

1. أما حق الأم فقد أَوجب لها الإسلام حقّاً لم يُوجب مثله دين سماوي، ولا 

قانون وضعي، ولا عُرف اجتماعي، حين قَرن الإحسان بالوالدين بالركن 

الركين، والأساس الراسخ للدين، وهو التوحيد والبُعد عن الشِّرك فقال: (وقضى 

ربُّك ألاّ تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً).

2. ثم فصّل بعدما أجمل، وأفرد بعدما أجمع، فخصّ الأم بالذِّكر فقال: (ووصّينا 

الإنسان بوالديه) فلم يصرِّح ربنا في الآية بما بَذَل الأب، بل صرّح بما قاستْ 

الأم فقال: (حملته أمُّه وَهْناً على وهن).

3. ثم جاء الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أُنزل عليه القرآن ليبيِّنه للناس، 

فكان بيانه شرعاً، وحديثه وحياً، ولكنه وحيٌ اللفظ به لفظ رسول الله صلى الله 

عليه وسلم،والقرآن وحي من الله بلفظه ومعناه، فذكر أن الدرجة الأولى في 

استحقاق البِر هي للأم، والدرجة الثانية تُركت شاغرة لتحتلّها الأم، والثالثة 

مثلها، والرابعة للأب: «أمك، أمك، أمك، ثم أبوك».

4. فمَن رأيتموه ينسى فضل أمه، أو يسيء إليها، ولو بكلمة «أُفّ» أو ما 

يعادلها، فلا تثقوا به ولا تعتمدوا عليه، لأنكم مهما أحسنتم إليه، وأَفْضَلْتم عليه، 

فلن تُولُوه مُعَيْشير ما أَوْلَتْه أمه (أي واحداً في الألف منه) فإذا نسي فضل أمه 

وجحده فهل تأملون أن يذكر فضلكم، ويحفظ معروفكم؟ إنه ليس في الدنيا أخَس 

ولا أحَط ولا أدنأ من ولد يسيء إلى أمه، أو يعقّ أباه، أو يقصِّر معهما، أو 

يُنقص من بِرّهما.

5. وإنْ ظلمته أمه، أو أساءت إليه، فلا نقرّها على الظلم، ولا نرتضي هذه 

الإساءة، ولكن لو قدرنا ذلك بالأرقام، فإنه يكون له عليها خمسمائة مثلاً، 

ولكنها بما قدمت إليه من قبل، بثقل الحمل، وآلام الولادة، ومشقّة التربية، يكون 

هي لها عليه عشرون ألفاً، فمَن منهما الدائن ومَن المدين؟

6. وحق الوالدين على الولد لا يسقط في الدنيا أبداً، مهما صنعا معه، ومهما 

آذياه، ومهما ساءا في نفسَيْهما وانحرفا. هل في السوء ما هو أسوَأ من الشِّرك؟ 

والشِّرك أكبر من القتل ومن السرقة ومن الزنى ومن الربا، ومن الذنوب كلها، 

لأنه رأسها وأساسها... فإنْ كان الأبوان مشركيْن، ولم يكتفيا بذلك، بل حملا 

ولدهما على الشرك وضغطا عليه ليُشرك، فليس له أن يُطيعَهما لأنه «لا طاعة 

لمخلوق في معصية الخالق» فكيف بالشِّرك به؟ ولكن هل يقاطعهما؟ هل 

يؤذيهما؟ لا. فالله يقول: (وإن جاهداكَ على أن تشركَ بي ما ليس لك به علمٌ فلا 

تُطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا)؛ في الدنيا فقط، أما في الآخرة: (فلا 

أنسابَ بينهم يومئذ ولا يتساءلون)، هناك يُضرب بين المؤمنين من أهل الجنة، 

والكفّار من أهل النار (بسورٍ له باب، باطنه فيه الرحمة وظاهره من قِبَله 

العذاب).

7. فنحن المسلمين نُكرم الأم كل يوم، ولا يوماً واحداً في السنة، ونعرف لها 

حقها، ونعمل على ما يسرّها ولا يضرها.

8. أما اتخاذ عيدٍ للأم، فلا أظن أن الإسلام يُبيحه، لأن للأعياد عندنا صفة 

دينية، ولأنهما عيدان لا ثالث لهما، عيد الفطر: وهو في حقيقته عيد قرآني لأنه 

احتفال ببَدْءِ نزول القرآن: (شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن)، وعيد 

الأضحى: وهو أيضاً عيد قرآني، لأنه احتفال باختتام نزول القرآن: (اليوم 

أكملت لكم دينكم وأتمَمْتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلام ديناً).

9. وكثرة الأعياد تُذهب بهجتها، وتهدر قيمتها، فالألْماسُ غالٍ لأنه قليل، ولو 

صار كل حجر في الأرض ألماساً (لا ماساً) لصار الألماس حجراً، ولو 

صارت الأيام كلها أعياداً، لرجع العيد يوماً عادياً كسائر الأيام.

10. والتاريخ الذي حدّده الناس من عهد قريب لعيد الأم، ليس له ارتباط بنا، 

ولا بذكرياتنا ولا بأمجادنا، ولا بسِيَر الفاضلات من نسائنا؛ وقد فهمتُ أنه يوم 

موت أم المرأة التي اقترحت هذا العيد، فإنْ صَحَّ فما لنا وله؟ وما شأننا به؟ 

ولماذا نخصّه وحده بتكريم الأم دون سائر الأيام؟

11. أما أن يعمَد الأولاد بين وقتٍ وآخر، من غير أن نلتزم بهذا اليوم الذي 

جعلوه عيداً للأم، أن يعمَدوا إلى إراحة الأم التي تتعب كل يوم، وأن يعدّوا هم 

لها وللأسرة الطعام في هذا اليوم، كما تعدّه لهم هي كل يوم، وأن يُشعروها 

الحب، ويقدِّموا لها الهدايا، ويفرشوا خدودها وأيديها بالقُبل، ويدَعوها تنام وهي 

مستريحة وهم يشتغلون، كما تشتغل هي كل يوم وهم ينامون، فهذا في ذاته أمر 

مستحسن، يوافق مقاصد الشريعة، وفيه زيادة بِر الأم، وفيه إراحة لضمير 

الأولاد، وتوثيق للرابطة بين أعضاء الأسرة. والمدار في ذلك كله على النية: 

«إنما الأعمال بالنيات»، فمن نوى بعمل من الأعمال المباحة نية فيها رضاء 

الله، ولم يكن هذا العمل مخالفاً لما شرع الله، كان عمله عبادة يُثاب عليها.

جميع الحقوق محفوظة لموقع المنتدى للتعريف بالإسلام © 1445هـ, 2024م
تطوير egv